صدر حديثًا في القاهرة الترجمة العربية لكتاب الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي وهو كتاب "العالم الإسلامي وتحديات القرن الجديد.. منظمة التعاون الإسلامي"، وكانت نسخته الإنجليزية قد صدرت قبل عامين. وقدم للنسخة العربية الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي.
يقول الدكتور مرسي: إن قيمة هذا الكتاب تزداد بمؤلفه الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، والذي يمثل طاقة فكرية إسلامية قديرة على مدار العقود الماضية، والتي قضاها كعالم في محراب العلم، وباحث إسلامي في دهاليز المخطوطات، ومدير عام لمركز بحوث التاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في إسطنبول، فضلاً عن تجربة سياسية ودبلوماسية ثرية أسهمت في إخراج هذا الكتاب؛ ليربط ما بين الواقع المادي كما يمليه العمل السياسي والدبلوماسي لمنظمة التعاون الإسلامي.
كما يشير الدكتور مرسي إلى أن هذا الكتاب يمثل أيضًا إضافة مهمة إلى مكتبة العمل الدبلوماسي الدولي؛ لأنه يشرح مسيرة منظمة دولية هي الثانية على مستوى العالم من حيث العضوية بعد الأمم المتحدة، ويقدم عرضًا لعملية الإصلاح الشامل في مسيرة المنظمة وكيف نفذت. وتمثل فصوله سلسلة مترابطة من تجارب العمل الإسلامي المشترك في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
مستقبل العالم الإسلامي
يرسم أوغلو في كتابه ملامح مستقبل العالم الإسلامي، ويضع معايير وشروطًا عدة لضمان نجاح تحوله نحو الديمقراطية، والتي يرى أنها تتطلب جهودًا قد تحتاج أجيالاً. وفي مقدمة هذه المعايير والشروط؛ تبني مبادئ الحكم الرشيد وتطويرها، إلى جانب إقامة حكم يعتمد على التعددية الديمقراطية كأسلوب حياة، وسيادة دولة القانون، وترسيخ مبادئ المساءلة والشفافية. ويضيف أوغلو معيارًا هامًّا آخر يتمثل في ضرورة تنظيم العلاقة بين الدين والسياسة، وهو ما يعني ألاَّ تطغى القوى السياسية على الدين كما كان الأمر قبل قيام اليقظات الشعبية وسقوط النظم الاستبدادية من جهة، وألاَّ تتم السيطرة على السياسة باسم الدين من جهة أخرى. كما ينصح أوغلو ممارسي السياسة ألاَّ يغفلوا إقامة التوازن بين متغيرات السياسة الدائمة وبين ثوابت الدين القائمة، وألاَّ ينسَوْا أبدًا أن الدين له قيمه السماوية المطلقة، وأن أمور السياسة هي مسائل بشرية متغيرة. ويرفض إحسان أوغلو مصطلح "الربيع العربي" ويعتبره تعبيرًا مخادعًا وخاطئًا، مبينًا بشكل دقيق أن ما شهدته الدول العربية في السنتين الماضيتين لم يكن بالربيع المنشود، بل هو خريف سقط فيه الطغاة، وسوف تظل الشعوب تجابه صعوبات ومشاقّ، ولن ينتهي الخريف حتى يعقبه شتاء طويل وقاسٍ، حتى يأتي الربيع الذي ينشده الجميع بقيمه ونظمه التي تحقق آمال الأمم.
جاء الكتاب في تسعة فصول، بالإضافة إلى قسم يشير إلى المؤشرات الإحصائية للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، كما يحتوي الكتاب ملاحق تعرض لهيكل الأجهزة المتفرعة والمؤسسات المتخصصة في منظمة التعاون الإسلامي.
منظمة المؤتمر الإسلامي
الفصل الأول من الكتاب: يستعرض فيه إحسان أوغلو الإرهاصات التاريخية لنشأة فكرة الأمة الإسلامية، والتي تعني مجتمعًا واحدًا يجمعه مصير مشترك والتزام بقيم مشتركة، وأرجع أوغلو جذور هذه الفكرة إلى زمن نشأة الدين الإسلامي ذاته.
يشير الكاتب إلى وجود عدد من المبادرات والنداءات التي سبقت إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، وتلت سقوط الخلافة الإسلامية عام 1924م، ومن هذه المبادرات: مؤتمر القاهرة عام 1926م، ومؤتمر مكة الذي عقد في يونيه من العام نفسه، واستجابة أنقرة عام 1927م، والمؤتمر الإسلامي في القدس عام 1931م، والمؤتمر الإسلامي الأوروبي الذي عقد في جنيف عام 1935م، ثم مؤتمر القمة الإسلامي الأول الذي عقد في عام 1967م عقب الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ عربية بعد حرب 1967م.
الفصل الثاني من الكتاب: يتناول فترة تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1969م، ومراحل توطيد الدعائم التي استمرت حتى العام 2004م، وهي الفترة التي أصبحت منظمة المؤتمر الإسلامي خلالها تمثل تعبيرًا حيًّا عن إرادة ورغبة مشتركة للتضامن والتعاون بين الدول الإسلامي، وبدأت بعضوية 25 دولة عام 1969م، حتى وصل الآن عدد الدول الأعضاء فيها إلى 57 دولة؛ لتصبح بذلك ثاني أكبر المنظمات الدولية بعد الأمم المتحدة، ويمثل سكان الدول الأعضاء فيها أكثر من خُمس سكان المعمورة، وتبلغ مساحة الدول الأعضاء فيها ما يُقدَّر بسُدس مساحة العالم.
الفصل الثالث من الكتاب: يرصد محاولات الإصلاح التي مرت بها المنظمة في محاولة لتفعيل دورها خاصة بعد الانتقادات التي واجهتها واتهمتها بالضعف والفشل في فرض صورتها وهيبتها كمؤسسة فعالة ذات نفوذ على الساحة الدولية.
ويلفت إحسان أوغلو إلى أن مصطلح "الإصلاح" دخل قاموس المنظمة لأول مرة في عام 1982م، وذلك في إطار ما يسمى بـ"عملية نيامي" وهو الاسم الذي أُطلق على قرار إصلاح المنظمة الذي اتُّخذ في مؤتمر وزراء الخارجية الإسلامي الثالث عشر في "نيامي" عاصمة النيجر في عام 1982م.
وبحسب أوغلو، توالت الخطوات الإصلاحية بعدها، ولعل أشهرها ما تم اتخاذه في قمة الرياض عام 1989م، حيث مثلت منعطفًا رئيسيًّا في إطار عملية الهيكلية داخل المنظمة، وحسمت الجدل الدائر حول صلاحيات كل جهاز من أجهزة المنظمة.
الفصل الرابع من الكتاب: يعرض فيه إحسان أوغلو مرحلة التجديد الذي بدأت داخل منظمة التعاون الإسلامي، والتي تواكبت مع تولي قيادة جديدة لمنظمة المؤتمر الإسلامي منتخبة ديمقراطيًّا لأول مرة في تاريخها، وهي الفترة التي تولى فيها أوغلو مهام منصبه عام 2005م، وحدد من بدايتها أن من أهم أولوياته هو أن تدرك المنظمة ما لديها من قدرات وإمكانات، وأن تعمل على حشد تلك الإمكانات؛ من أجل تحسين وضعها، وتحسين وزيادة فعاليتها وأنشطتها.
الفصل الخامس من الكتاب: يتناول دور المنظمة في تعزيز السلام، وفض الصراعات، ومساندة المجتمعات والجامعات المسلمة المقيمة في الدول غير الأعضاء، كما اهتمت المنظمة بإبراز صورة الإسلام الحقيقية عن طريق المساهمة في دعم الحوار والتفاهم بين شعوب العالم.
الفصل السادس من الكتاب: يعرض لأهم مشكلات المجتمعات والأقليات المسلمة في العالم، وذلك من منطلق الكثرة العددية للمسلمين في العالم؛ حيث تشير تقديرات المنظمة إلى أن عدد المسلمين في الدول غير الإسلامية وصل إلى 500 مليون مسلم؛ أي أن ثلث أبناء الأمة الإسلامية يعيش خارج حدود الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وهو ما يتطلب جهودًا مخلصة من المنظمة للاهتمام بقضايا الأقليات المسلمة بالدول غير الأعضاء باعتبارها من الأولويات التي تتصدر جدول أعمالها.
الفصل السابع من الكتاب: يؤكد فيه إحسان أوغلو أن "الإسلاموفوبيا" هي تهديد للسلام العالمي، قائلاً: تنامي التعصب والكراهية ضد الإسلام في عصرنا هذا يهدد العالم من جديد، وقد أدت هذه الكراهية وهذا التعصب إلى تهديد التناغم الاجتماعي والثقافي والتعايش بين الحضارات.
الفصل الثامن من الكتاب: يبين فيه إحسان أوغلو كيف أن مقتضيات العصر وتحديات العولمة دفعت المنظمة إلى تبني مجالات عمل جديدة وملفات عكست منظور المنظمة التجديدي، ومنها: بناء التضامن الاجتماعي لإدارة شئون الإغاثة الإنسانية في مرحلة ما بعد وقوع الكوارث، وتعزيز حقوق الإنسان، وحماية حقوق المرأة، وإحياء العلوم والتكنولوجيا وروح الابتكار في العالم الإسلامي.
الفصل التاسع والأخير: يتضمن الاتفاقيات والتشريعات متعددة الأطراف لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الإسلامية، ويعرض للجهود التي تمت من أجل تقديم المساعدة في دعم جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول الأعضاء.
المؤلف
يعد إحسان أوغلو تاسع أمين عام لمنظمة التعاون الإسلامي، حيث تولى هذا المنصب بالانتخاب في يناير 2005م. وقد حظي باعتراف دولي بدوره الكبير في مد الجسور بين الثقافات، وخصوصًا بين العالم الإسلامي والغرب. ومما يذكر أن مهمة دكتور أكمل إحسان الدين أوغلو كأمين عام لمنظمة التعاون الإسلامي تنتهي بنهاية العام الجاري 2013م، بعد ثماني سنوات من العمل.